يبدو أنه جاء دور الدول الأوروبية لتعيش الرعب الذي عاشته العديد من البلدان العربية لسنوات بسبب الإرهاب، فبعد أن عاثت الجماعات الإرهابية فسادا في الدول العربية بداية بالجزائر في عشرية سوداء مريرة وصولا إلى ليبيا وسوريا والعراق واليمن وغيرها، توحد العالم في حرب لا مثيل لها واتفق الجميع أن حرب هذا العصر هي حرب ضد الإرهاب فقامت التحالفات، وتم تجنيد أحدث الأسلحة والمعدات الحربية للقضاء على الإرهاب الذي حاربته الجزائر لسنوات بمفردها.
في سنوات التسعينيات قل من عرف معنى الإرهاب، ومن عرفه كان ذلك من خلال متابعة أخبار الجزائر التي اكتوت بنار الإرهاب وعاشت عشرية سوداء غلب عليها الخوف والرعب، فانمحت أحياء بأكملها وأعدم من فيها بأبشع الطرق، وطبع الحزن والخوف يوميات الجزائريين لعشر سنوات كاملة. آنذاك الكل ربط الإرهاب بالجزائر، والجزائر بالإرهاب، وصورت البلاد وكأنها معقل لهذا الفكر المتطرف، ووصف الجزائريون بالإرهابيين والمتمردين والقتلة، الكل دون تفريق. آنذاك قل من وقف إلى جانب الجزائر إن لم نقل انعدم، فالجزائر بالنسبة للكثيرين بلد أنجب الإرهابيين، ومواطنوه لا يعرفون سوى ثقافة العنف وهي التهمة التي لازالت تطاردنا إلى اليوم. مرت السنوات وهاهي العديد من البلدان العربية وحتى الأجنبية تعيش ما عاشته الجزائر، فتمردت الشعوب العربية وطالبت بإسقاط الأنظمة وأنتجت ما يسمى بـ”الربيع العربي”، وأيقظت الخلايا الإرهابية النائمة في كل مكان. فمن الجماعات الإسلامية المسلحة التي كانت تنشط بالجزائر، وصلنا إلى القاعدة والنصرة وأنصار بيت المقدس، وحتى طالبان وبوكو حرام وحركة الشباب الصومالية، دون أن ننسى “داعش” وغيرها من الجماعات الإرهابية. فالهجمات الانتحارية والتفجيرات والسيارات المفخخة التي عرفتها الجزائر، تشهدها اليوم العراق وسويا واليمن ومصر وليبيا وغيرها. حتى عمليات الذبح التي تفننت فيها “داعش” ووصفناها كلنا بالبشعة، حدثت في الجزائر، فالجزائريون كذلك أعدموا ذبحا بدم بارد ليس فقط أسرى “داعش”. أما الحرق فقد أحرقت في الجزائر قرى بأكملها بمن فيها ومزارع وغابات.
وبعدما انتشر الإرهاب في البلدان العربية وظهرت أخطر الجماعات الإرهابية، حاول الغرب جاهدا إبعاد شبح الإرهاب الذي أنتجه بنفسه لأسباب نجح في بعضها وفشل في أخرى، وعندما انقلب السحر على الساحر وأحست أمريكا وحلفاءها بتهديد الإرهاب قادت حربا كونية ضد “داعش” وأخواتها. وهي الحرب التي دفع الغرب ثمنها غاليا بهجمات إرهابية كان آخرها هجوم نيس بفرنسا الذي أوقع عشرات القتلى والجرحى واعتداء ميونيخ بألمانيا الذي خلف تسعة قتلى في مركز تسوق، ناهيك عن انقلاب تركيا وبغض النظر عن فشله وعن التحليلات التي تراه انقلابا مفبركا، فهو شكل من أشكال التمرد الذي يتحول إلى أعمال عنف وتخريب. ومع تزايد حدة الهجمات الإرهابية بأوروبا يتخوف الأوروبيون من أن يتحول الإرهاب إلى واقع جديد عليهم أن يتعايشوا معه بحذر، هذا من جهة، ومن جهة أخرى زاد الضغط على التحالف الدولي بقيادة أمريكا في سوريا والعراق للقضاء على تنظيم الدولة بعد أن اتهم التحالف بالتقاعس والتقصير في ذلك.
وباستمرار هذه الهجمات التي تستهدف أوروبا تكون الجماعات الإرهابية أمثال “داعش” والـ”النصرة” قد نجحت في إستراتجيتها المفضلة المسماة بـ”الذئاب المنفردة” والتي حذر منها المكتب الأوروبي للشرطة “يوروبول” في وقت سابق، لأن هذا النوع من الهجمات من الصعب للغاية كشفه ومنع وقوعه. ودعا كل من التنظيمين في العديد من المناسبات المسلمين الذين يعيشون في الدول الغربية للقيام بأعمال من هذا القبيل. فهل ستكون هذه الهجمات سببا في التعامل الجدي مع شبح الإرهاب بعدما أصبح يهدد أوروبا؟ أم أن بقاء هذا الشبح بعيدا عن إسرائيل معناه أن القضاء عليه لم يحن بعد؟
التدوينة «داعش» للعرب و«الذئاب المنفردة» لأوروبا ظهرت أولاً على الجزائر 24.