احتضنت كلية الاقتصاد وعلوم التسيير لجامعة العفرون قبل يومين مؤتمرا دوليا في موضوع مهم هو ( دور جودة التعليم والتكوين في تفعيل سياسات التشغيل بالجزائر ) حضره إلى جانب النخبة الجامعية عدد من ممثلي الهيئات الحكومية ومراكز التمهين ما أضفى على أعمال المؤتمر صبغة عملية جديرة بالمتابعة . عناية الحكومة بالتعليم زادت تخصيصات دعم التعليم في الجزائر في ميزانية 2017 مقارنة بالعام 2016 لتلامس 1.16 مليار دولار ( 1.14 مليار دولار في ميزانية 2016 ) ، أي ما يقارب 7 بالمائة من إجمالي التحويلات الاجتماعية ما يؤكد متانة السياسة التعليمية في الجزائر من زاوية نظر تمويل القطاع ، إلا أن الرقم المقلق للبطالة في الوسط الجامعي ( 27 بالمائة ) تدعو فعلا إلى مزيد من الجهد لردم الفجوة بين قطاع التعليم والتكوين من جهة والقطاع الاقتصادي من جهة ثانية . وتشكو منظومة التعليم في بلادنا من اختلالات حان وقت معالجتها بدءا من أسلوب إدارة القطاع تحت ضغط الطلب الداخلي على التعليم ( 11 مليون منتسب ) إلى ضعف التنوع في التخصصات الجامعية إلى هشاشة العلاقة الوظيفية بين التعليم ومحيط الشغل إلى ضيق نطاق البحث التعليمي والبحث العلمي التطبيقي في نفس الوقت . كما أن هيمنة القطاع العام على المؤسسات والتركيبة المالية وتكوين المكونين وإعداد المناهج وإنتاج وسائل ( التعليمية – ديتاكتيك ) مازال يحد من العائد على العملية التربوية بسبب الطابع الاجتماعي للقطاع العام ، وربما حان الوقت لإدماج رأس المال الخاص في أطوار التعليم كلها وفق رؤية جديدة للفرص والمخاطر وتحويل التعليم من مجرد عملية اجتماعية الى استثمار في الوارد على أساس العائد الحقيقي في سوق الوظائف وبراءات الاختراع والتصنيع وتنويع الاقتصاد . مرحلتان للتطوير يزيد عدد المؤسسات الجامعية في الجزائر بكثير عن عدد الولايات ليلامس 134 مؤسسة في حين لا تملك تلك المؤسسات حضورا قويا في الوسطين الاجتماعي والاقتصادي بسبب غياب الشراكة الإستراتيجية بين قطاع التعليم بكل أطواره والقطاع الاقتصادي ، الشيء الذي يتطلب منهجية مدروسة لربط نظام التعليم بالنظامين الاقتصادي والاجتماعي للدولة ليس وفق رؤية الإقلاع التي يتبناها نموذج النمو الجديد ( 2016 – 2019 ) فقط بل وفق رؤية الصعود آفاق 2030 التي يجب أن يتبناها جميع الفاعلين بالنظر إلى خصوصيات سوق الشغل القادمة وعلى رأسها : التحول التكنولوجي المؤدي إلى القطيعة التكنولوجية ثم تمهين المستقبل المؤدي إلى المهن الجديدة . حقيقة تمتلك الجزائر إمكانيات مهمة للتحول إلى دولة صاعدة آفاق العام 2030 بشرط تعبئة الموارد التعليمية في اتجاه هدف واحد هو ( تحقيق جودة التعليم ) المؤدي للصعود من بوابة رفع القيمة المضافة في الاقتصاد الكلي إلى مستوى ( الاقتصاديات المبنية على المعرفة ) ، وسيكون ذلك ممكنا إذا طبقنا خطة مدروسة بإتباع طريقة المراحل . الأمر يتعلق بمرحلتين تخصان المديين المتوسط والبعيد من 2016 الى 2021 كمرحلة أولى يستكمل عندها مخطط تحقيق معيارية جودة التعليم من جهة وضمان شروط تنفيذه بالشكل المطلوب ولا سيما ما تعلق بإعداد الموارد البشرية المؤهلة لقيادة القطاع في المرحلة المقبلة من جهة ثانية. وتتكفل هذه المرحلة بتحقيق 5 عمليات محددة هي : تنويع نسيج التعليم بإدماج القطاع الخاص وفق رؤية التكامل مع القطاع العام ، تطبيق المعايير الدولية في موضوع جودة التعليم ، إطلاق منظومة جديدة للبحث التعليمي أسوة بالبحث العلمي ، إعادة النظر في أسلوب التمويل الحالي لقطاع التعليم بتطبيق معيارية العائد على الاستثمار ، وأخيرا إطلاق منظومة المحاسبة التعليمية واختبار الأداء للمؤسسات والمكونين وإدارة التعليم في نفس الوقت . أما المرحلة الثانية ( 2022 – 2030 ) فيستكمل عندها تكييف المناهج التعليمية مع هدف الصعود بإطلاق منظومة ( اليقظة التعليمية ) المبنية على إشارات المستقبل مع إدماج التعليم في القطاع الاقتصادي من خلال منظومة مندمجة هي نفسها منظومة المؤسسة المبنية على المعرفة ومنظومة التعليم المبني على المخاطرة أي تمويل التعليم العالي والبحث العالي من خلال القروض البنكية المستحقة على المدى البعيد ، وستحصد الجزائر خلال هذه المرحلة نسب عالية في النمو قد تتجاوز سقف 7 بالمائة وسيلا من براءات الاختراع القابلة للتصنيع إضافة الى مراتب متقدمة ومقبولة على سلم التصنيف العالمي لجودة التعليم . Messaitfa.bachir@gmail.com