وصرح السيد رمعون لواج قائلا "لا يسعني بصفتي جزائريا إلا أن أسعد بهذا الخبر فقد اوفت الجزائر دينها إزاء مقاومي جيش الاستعمار الذي لم يكتف بقتل هؤلاء المحاربين بل سولت له نفسه المساس بحرمة أجسادهم بفصل رؤوسهم".
وفي تعليقه على نقل الرفات اليوم الجمعة، اعتبر الباحث المشارك بالمركز الوطني للبحث في الأنثروبولوجيا الاجتماعية والثقافية (كراسك) أن احتجاز فرنسا لهذه الرفات البشرية لمدة طويلة لم يكن "حربا بل جريمة مطلقة ضد البشرية"، واصفا هذا الفعل "بالهوس والاجرام".
وتابع بالقول أن "فرنسا الاستعمارية بعرضها رؤوس هؤلاء المحاربين الأفذاذ أرادت أن تتبجح بقدراتها وقوتها"، موضحا أن "جماجم الجزائريين كانت مصنفة ومغلقة" في أماكن محفوظة بمتحف الانسان (باريس) قبل أن يتم اكتشافها من قبل باحث ذي أصول جزائرية".
كما أشار السيد رمعون إلى أن النظام الاستعماري كان يعتبر ان هذا الاجراء "عمل مهم في استراتيجية تجنيد الدعم والموارد اللازمة للتوسع وإقامة نظام اجتماعي جديد يظهر مع ظهور الرأسمالية ليتم تعميمه خلال
القرن 21: وللتأكد من دعم أهالي المستعمرات والمركز الإمبريالي كان يجب تحفيزهم من خلال تبيين الانعكاسات التي يمكن أن تستفيد منها هي كذلك إضافة الى اللعب على وتر المشاعر".
ولهذا "لجأت القوة الاستعمارية إلى تمرير أعمال شديدة الاجرام كأفعال نبيلة وحضارية، إذ قامت بصنع وهم المشاركة لكل واحد +كأنه يحضرها بنفسه+ باستقدام أصنام"، منتقدا كون هذه الرفات تمثل بالنسبة للجيوش الاستعمارية "فضولا علميا" علاوة على كونها رمزا "للقوة".
وهو ما يفسر حسب ذات الباحث "استقدام أوروبا لملايين الصور والرسومات والأغراض لعرضها أمام المواطنين في المتاحف وخلال المعارض" مذكرا بالمؤرخين المعاصرين خاصة في فرنسا والذين حاولوا "عدّ الأشياء المعروضة. وهو ما يستحق حسب رأيه "اشادة وثناءً نظير ما قدموه في هذا المجال".
و اكد باحث المركز الوطني للبحث في الانتروبولوجيا الاجتماعية و الثقافية ان "هذا الامر لم يتوقف هنا حيث تم كذلك نقل احياء من اجل تقديمهم في عروض السيرك"، مشيرا الى مثال فينوس هوتنتوت التي تم عرضها بإنجلترا و فرنسا و التي وضع جثمانها بمتحف الانسان بعد ان توفيت سنة 1816 قبل نقلها سنة 2012 لبلدها الاصلي (جنوب افريقيا).
و اوضح السيد رمعون بالقول ان "الانتروبولوجيا المادية الغربية، التي كانت تعتبر في الماضي بصمة للتعصب العرقي و العنصرية، كانت بحاجة لهذه الاثار من اجل برهنة التفوق البدني و الذهني للإنسان الابيض و منه استعداده لإرسال بعثة حضارية لباقي العالم".
و اسرد المتحدث "و في هذا المحور كان هو الحال كذلك بالنسبة للجزائريين على غرار الاخرين و الى غاية القرن ال20 حيث تم نقل رفات شعوب الهيريروس الناميبيين الى المانيا بعد ان خضعوا لابادة عرقية و هذا من اجل استعمالها في دراسات علمية مزعومة تغذي نظريات من شأنها فتح الطريق للنازية".
الحفاظ على الذاكرة و كرامة و طمأنينة الجزائريين
و في رده على سؤال حول صدى استرجاع الجزائر لهذه الرفات، قال الباحث في التاريخ ان هذا الاجراء "يعبر عن طلبات كثرت المناداة بها من اعماق مجتمعنا كما سيسمح بالحفاظ على الذاكرة الوطنية و كرامة و طمأنينة شعبنا. كما تشكل حلقة اضافية لبعث الوطنية في روح شبابنا".
و اعتبر ذات المتحدث انه يحق للجزائريين انتظار خطوة مماثلة سواء من القوة المستعمرة السابقة او من السلطات الوطنية، مضيفا ان "الرفات التي تعود للحقبة الاستعمارية ليس لها اي المعنى في بداية القرن 21 حيث غالبا ما يتم تهديم تماثيل تجار العبيد و جنرالات القوى الاستعمارية في بلدانهم الاصلية".
و اشار السيد رمعون بالقول "و من خلال التخلص من الادلة الواضحة للتاريخ الاستعماري لبلدانهم، اعطت السلطات الفرنسية لهذه المبادرة مظهر التفاتة لبلدنا. من الممكن القبول بهذه الفكرة ان كان متبوعا بمبادرات مماثلة في المستقبل".
و تعتمد هذه الرؤية، يضيف الباحث، على "احتمالات مرتبطة باستراتيجيات انتخابية لحركة رئيس الجمهورية و للاحزاب السياسية الفرنسية الاخرى"، داعيا الى ضرورة "الاستمرار في متابعة ماضينا دون التغاضي عن تزايد الضغط من طرف شبابنا من اجل الذهاب قدما".
و في الختام قال السيد رمعون انه "يجب اخذ المنظورين في ان واحد لأنه بهذه الطريقة تعيش و تتطور المجتمعات الانسانية".