ابتزازات ماكرون تتعدى الحسابات الانتخابية



...

فرنسا والحنين إلى الماضي الاستعماري 

سمير عزوق 

يومان بعد تصريح الرئيس الجزائري، عبد المجيد تبون، في لقاء مع ممثلين للصحافة الجزائرية على أن عودة “سفير الجزائر في باريس”، الذي استدعي في الثاني من أكتوبر إثر تصريحات الرئيس الفرنسي المسيئة للجزائر، “مشروط باحترام كامل للدولة الجزائرية”، جدد وزير خارجية فرنسا، جان إيف لودريان، هذا الثلاثاء تأكيده على “الاحترام الراسخ للسيادة الجزائرية”. وقال قائد الدبلوماسية الفرنسية أمام نواب برلمان بلاده: “مؤخرا جدد رئيس الجمهورية،  إيمانوال ماكرون،  التأكيد على احترامه الكبير للشعب الجزائري… هذا الأمر يعني بالتأكيد احترامه الراسخ للسيادة الجزائرية”. ولكن ومع هذا التأكيد الذي يبدو صريحا من مسؤول رفيع المستوى وفي محفل رسمي كالبرلمان، يبقى هذا الرد ذو طعم ديبلوماسي محظ، أي الديبلوماسية بمفهومها العام الذي يرتكز على اللباقة في الخطاب واللياقة السياسية، حيث أن السياق العام لكلام وزير خارجية فرنسا وإجاباته عن أسئلة تخص التوتر في العلاقات بين الجزائر وفرنسا لا يتنافى مع ما صرح به آنفا ماكرون بل جاء ضمنيا لتأكيده بطريقة ملتوية وبلباقة “ديبلوماسية”. فلودريون، الديبلوماسي المحنك لعب على نفس الوتر الحساس الذي تغنى به رئيسه ولكن بتحاشي الوقوع في نفس الخطاب المباشر كالذي يقول لمن يريد نعته بالغباء: “أنت ذكي ولكن يلزمني وقت طويل لأشرح لك”، وهل هذه الجملة مدح أم قدح؟ فما قاله وزير خارجية فرنسا لا يعدو أن يكون تأويلا موجه لكلام صريح مس بتاريخ ومبادئ شعب، وهو تدخل مباشر في الشؤون الداخلية لدولة أجنبية. ولعل أفضل دليل على التناغم بين ماكرون ووزير خارجية بلاده يكمن في مضمون إجابته على سؤال متعلق بقرار الجزائر استدعاء سفيرها في باريس حيث يرد الدبلوماسي: “هذا الأمر لا يتناسب مع الأهمية التي نوليها للعلاقات بين أمتينا…نحن مقتنعون بأن العمل معا يصب في المصلحة المشتركة …أعتقد أن هذه الرؤية يشاطرنا إياها العديد من المسؤولين الجزائريين على كل المستويات”. هذا التعليق بالذات يمثل عين المكر الدبلوماسي والوسوسة النكراء المغلفان باللباقة السياسية، حيث أنه يوحي إلى انقسام بين “المسؤولين الجزائريين على كل المستويات” فيما يخص العلاقة مع فرنسا وأن لفرنسا رجال في “أعلى المستويات” وهو ما يؤيد تصريحات ماكرون الذي أشاد بعلاقته مع الرئيس الجزائري من جهة وما سماه “النظام السياسي -العسكري” الذي كتب تاريخ الاستعمار على أساس “كراهية فرنسا”، من جهة أخرى.  

رغم التصريح الذي أراده لودريان مهدئ لتوتر العلاقات بين الجزائر وفرنسا، فالخطاب الفرنسي يبقى على نفس المستوى من الابتزاز والتهكم دون اظهار أي نية للاعتراف بهذه الممارسات العدوانية ولا الاعتذار عن التهكمات الخسيسة، ويكفي هنا أن نذكر بردة فعل وزاير الداخلية الفرنسية على لسان “أوساط قريبة” منه إثر اتهامه بالكذب من طرف الرئيس الجزائري فيما يخص قائمة الجزائريين التي قررت الداخلية الفرنسية طردهم نحو الجزائر، الذي أصر وفق ما نقلته وكالة الانباء الفرنسية، أن عدد الأشخاص هو 7730 بينما أنكر عبد المجيد تبون هذا الرقم معلنا أن القائمة التي وصلت الجزائر عام 2020 والقوائم الثلاث عام 2021 كانت تتضمن 94 حالة تم قبول 21 منها ورفض 16 ، مسترسلا بعفويته المعتادة : “موسى دارمانيان تفوه بكذبة كبيرة” واصفا هذه الكذبة بالخطوة التي تبين “بناء” مكيدة ضد الجزائر. ويجدر التذكير هنا أن إعلان وزير الداخلية الفرنسي على قرابة 8000 قرار إبعاد جزائريين من فرنسا معيبا على الجزائر (ودول المغرب العربي على العموم) عدم منح التراخيص القنصلية اللازمة لترحيلهم، هذا الإعلان جاء ليبرر قرار باريس بتخفيض بنسبة 50 بالمئة لعدد التأشيرات المخصصة للمواطنين الجزائريين ما أثار سخط السلطات الجزائرية حيث استدعت وزارة الخارجية نهاية سبتمبر السفير الفرنسي للاحتجاج، ما أدى إلى تراجع الجانب الفرنسي عن قراره.  

في قراءة فطنة لهذا التضارب في التصريحات نشرت الجريدة الالكترونية الجزائرية “24H Algerie ” في مقال تحت عنوان “الجدال متواصل” مفاده أن “وزير الداخلية الفرنسي يعتمد اللبس بين قرارات الإلزام بمغادرة الأراضي الفرنسية (وهي إجراءات إدارية داخلية) ورخصة المرور القنصلية التي ترسلها بطريقة رسمية فرنسا إلى الجزائر. ومن هذا المنطلق (فالجانبان) لا يتكلمان عن نفس الشيء”. والسؤال الذي يجب طرحه هنا هو هل يمكن لمسؤول فرنسي بمستوى وزير داخلية أن تخفى عنه مثل هذه الإجراءات الإدارية والدبلوماسية؟ حتما لا. فالمكيدة هنا واضحة و نية تعكير العلاقة مع الجزائر بدت أكثر وضوح أياما قليلة بعد هذه الازمة الدبلوماسية الأولى بمشاركة الرئيس الفرنسي في لقاء مع أحفاد فاعلين في الحرب ضد الاستعمار يدخل في اطار خطوات المؤرخ بنجامين ستورا المكلف من رئيسه بملف الذاكرة التي تربط بين الجزائر و فرنسا، ليلقي بالكلام الثقيل على كل ما يمثل الجزائر بحضور صحفي واحد، من جريدة “لوموند” و هو صحفي قد تسبب في أفريل 2020 بأزمة دبلوماسية على اثر تقرير حول الحراك الشعبي بث في عدة قنوات فرنسية والذي أثار سخط عدد كبير من الجزائريين واستدعاء السفير الجزائري في باريس، فهل كل هذه الخطوات كانت عفوية؟ 

في الكثير من القراءات السياسية ذهب أغلب المختصين في محاولة تفسير ابتزازات الرئيس الفرنسي للجزائر أمة وشعبا ودولة بدخول ماكرون المبكر في الحملة الانتخابية للرئاسيات الفرنسية المقبلة، معللين هذا التصرف بمحاولة نزيل “الإليزيه” استقطاب الناخبين الفرنسيين من اليمين المتطرف الذي أصبح يمثل توجها سياسيا قويا في البلد، ولكن هذه القراءة لا تفسر وحدها لجوء كبار المسؤولين في فرنسا إلى الابتزاز والإساءة بهذا الشكل المباشر والعنيف، فأمر بهذا الحجم يتجاوز بكثير تحديات موعد انتخابي.

إن الازمة الدبلوماسية الأخيرة بين الجزائر وباريس ما هي إلا مجرد غيض من فيض الازمات العميقة التي يعيشها البلدان في السنوات الأخيرة أساسها تضارب المصالح والرؤية الاستراتيجية لكلتا الدولتين، ففي حين ترى الجزائر في ظل التحولات والصراعات الجيوستراتيجية العالمية والإقليمية أن مصلحتها في توسيع نطاق علاقات الشراكة والتعاون مع عدة دول في مختلف القطاعات، في المقابل تريد فرنسا تدارك تراجع نفوذها على الساحة الدولية -حتى وسط حلفائها-  بتعزيز وفرض قوة تأثيرها على مستعمراتها القديمة قصد حل مشاكلها الاقتصادية من جهة وكحجة للمحافظة على كرسي بين القوى العالمية العظمى ولعب دور المفوض لصالحها في قارة صارت إحدى أهم بؤر التوتر في العالم، مع المحيط الهادئ الهندي، من جهة أخرى.

إن الاعتداءات اللفظية التي صدرت من كبار مسؤولي فرنسا على الجزائر يمكن تفسيرها أيضا على ضوء حصيلة العلاقات الاقتصادية الثنائية لـ 2020 المتاحة على بوابة الخزينة العمومية الفرنسية التي تكشف عن تباطؤ “التجارة بين فرنسا والجزائر إلى حد كبير في عام 2020 (ناقص -24 بالمئة، بما في ذلك ناقص -15 بالمئة للصادرات الفرنسية)، وهو الاتجاه الذي تأكد في النصف الأول من عام 2021 (-2 بالمئة، بما في ذلك -18 بالمئة من مبيعاتنا)”، وحسب نفس التقرير فرنسا تحتل المرتبة الثانية في مجال الموردين للجزائر بنسبة 10.6 بالمئة خلف الصين بـ 16.8 بالمئة وغير بعيدة عن إيطاليا (7.1 بالمئة)، وألمانيا (6,5 بالمئة) وإسبانيا (6.2 بالمئة).  بينما تبقى باريس ثاني عملاء الجزائر بـ 13.3 بالمئة من إجمالي الصادرات الجزائرية خلف إيطاليا بـ 14.7 بالمئة. من جهة أخرى ووفقا لبيانات مصرف فرنسا، فإن رصيد الاستثمار الأجنبي المباشر الفرنسي في الجزائر بلغ 2.372 مليار يورو في 2020 ما يضعها في المركز الثالث خلف الولايات المتحدة الامريكية وإيطاليا. في قراءة سريعة لهذه الأرقام يبدو تراجع المبادلات الاقتصادية بين البلدين لغير صالح فرنسا التي ترى زيادة حجم تعاملات الجزائر مع أقطار أخرى يزداد بوتيرة مخيفة لمصالحها المباشرة والغير مباشرة، وقد يزداد تشنج الجانب الفرنسي أمام رحيل شركاتها وسط ضجة إعلامية شديدة كتلك التي عرفتها شركة توزيع المياه في الجزائر العاصمة، أو تلك التي وكلت بتسيير ميترو الجزائر،  أو الجدل الشديد حول شركة تركيب السيارات الفرنسية ومقابل ذلك ترى باريس عقود شراكة مع دول أخرى فيما يخص انتاج اللقاح ضد فيروس الكوفيد 19 و إعادة فتح ملف “ديزرتاك” لإنتاج الطاقة الشمسية…وإذا أضفنا لهذه المؤشرات الاقتصادية المقاربات الدبلوماسية والأمنية المتضاربة حول القضايا الإقليمية أين ترفض الجزائر التدخل العسكري الأجنبي في دول الساحل بينما يريد الجانب الفرنسي فرض منطق القوة في المنطقة، قد تبدو صورة الابتزازات الدبلوماسية الأخيرة بوجه آخر.

تعيش فرنسا اليوم في أزمة حقيقية سواء على الصعيد العالمي وما أزمة الغواصات التي عاشتها كخيانة من طرف حلفائها الاستراتيجيين (أمريكا، أستراليا وبريطانيا) في تعطيل صفقة بيع غواصاتها العسكرية لأستراليا إلا دليل على ذلك، وأزمات داخلية اقتصادية واجتماعية جعلت رئيسها الحالي يضطر لمغازلة اليمين المتطرف للضفر بعهدة ثانية -والمعلوم أن التطرف وليد الازمات-، وكعادتها تريد هذه الدولة تدارك وضعها بالعودة إلى وصفاتها القديمة والحنين إلى ماض استعماري صنع قوتها ومكانتها في العالم.

وفي عودتها إلى الماضي تتذكر أن غزوها لمناطق واسعة من القارة السمراء بدأ من ميناء الجزائر، وقد تنبه المتابع للشؤون الافريقية أن باريس تزداد خصومة وتهديدا لسلطات الدول الافريقية من مستعمراتها القديمة آخرها تنظيم قمة افريقيا فرنسا مع شباب وممثلين للمجتمع المدني لعدة دول إفريقية دون حضور أي مسؤول رسمي لهذه الدول، وهي قمة رسمت على خطى المنتديات الأممية للمجتمع المدني تحت تأثير وزارة الخارجية الامريكية والتي اسفرت حسب المختصين في انتاج ما سمي بالربيع العربي في 2011 ، خطوة أرادها ماكرون لبعث رسالة مشفرة للأنظمة مفادها الدخول في الصف أو التحضير لمواجهة ربيع إفريقي.

على أيام قليلة من احياء ذكرى مجزرة باريس 17 أكتوبر 1961 ، صرح عدد كبير من المتدخلين عبر وسائل الاعلام منهم المؤرخ الفرنسي بانجامين ستورا أنهم ينتظرون من الرئيس الفرنسي أن يغتنم الفرصة لوضع حد للازمة الدبلوماسية بين البلدين بتقديم خطاب قوي أو مبادرة رمزية لصالح ضحايا همجية فرنسا الاستعمارية، ولكن على ضوء ما رأيناه سالفا فلن يكون من ذلك شيء، أو بالأحرى لا شيء سيذكر للتاريخ، ففرنسا اليوم لا تبحث عن المصالحة، لا مصالحة تاريخية ولا دبلوماسية، باريس اليوم تترصد لحادثة مروحة أخرى…ولكن عصر الدايات قد ولى. 


إقرأ بقية المقال على الفجر.

Photos droles d'animaux

Les 10 pays les plus chers au monde pour vivre

Quiconque envisage de voyager et de visiter de nouveaux pays, villes et civilisations, ou de s'installer dans un nouveau pays, et de commencer une vie différente de celle qu'il menait auparavant, devrait lire ce rapport avant de faire quoi que ce soit, car vous pourriez être choqué de connaître le coût de vie dans certains de ces pays très petits et moins connus du monde. Voici une liste des 10 pays les plus chers à vivre dans le monde, basée sur les frais d'hébergement et de subsistance d'une personne vivant dans la capitale de chaque pays, et selon la population.

Photos droles d'animaux

Tourisme: 10 villes moyennes pour s’évader en France

Voici une compilation de 10 villes moyennes pour s'évader en France.

Photos droles d'animaux

Les photos d'animaux les plus droles!

Voici une compilation de photos réelles d'animaux capturées dans des positions droles.

Tourisme: 7 pays que vous pouvez visiter cet été sous conditions

Tourisme: 7 pays que vous pouvez visiter cet été sous conditions

La vaccination contre le virus Corona (Covid-19) pourrait ouvrir les portes de voyages dans de nombreux pays cet été. Quels sont les pays les plus en vue qui ont annoncé l'ouverture de leurs portes aux touristes au cours de la période à venir?

Population du monde en 2100

Les 10 pays les plus peuplés du monde en 2100

Le Programme des Nations Unies pour le développement (PNUD) prédit dans son dernier rapport que la population mondiale en 2100 sera de 10,88 milliards. Les pays les plus peuplés du monde ne seront plus les mêmes qu’aujourd’hui.



مواقع أخرى