ذكَّر رئيس الجمهورية، عبد المجيد تبون، مرة أخرى، إثر لقائه الدوري مع ممثلين عن الصحافة الوطنية في حوار بث على القنوات التلفزيونية، ليلة الجمعة الى السبت، أن عودة العلاقات الجزائرية الفرنسية إلى طبيعتها يخضع لشروط تتعلق أساسا باحترام السيادة الوطنية، حيث قال: “نعم يجب عودة العلاقات الى وضعها الطبيعي، بشرط أن يفهم الآخر أنّ الند للند ليس استفزازًا له، بل هو صيانة سيادة وطن استشهد من أجله خمسة ملايين و630 ألف شهيد من 1830 إلى 1962”.
إن هذا التصريح الذي يُظهر أولا تمسك الجزائر بموقفها الصارم تجاه التصرفات الاستفزازية والتصريحات المسيئة التي أدلى بها مسؤولون فرنسيون رفيعي المستوى في حق الدولة الجزائرية وهويتها، ثانيا، يُفهم من لهجة الرئيس تبون أنه على عكس ما حاولت بعض الأطراف، على غرار وسائل الاعلام الفرنسية، فإن ردة فعل الجانب الجزائري على الابتزازات لم تكن نزوة غضب عابرة ناتجة عن حساسية مفرطة تعود إلى العلاقة المعقدة بين البلدين، وإنما هي مراجعة عميقة لهذه العلاقة يفرضها تشديد السلطات الجزائرية على مفهوم السيادة الوطنية من جهة، وتحديات جيواستراتيجية جديدة من جهة أخرى.
في ظل الصراع القائم لإعادة بناء موازين قوى جديدة في العالم، والذي تظهر عواقبه اليوم في الازمات الأمنية التي تمس شمال إفريقيا ومنطقة الساحل، وجب على الجزائر أن تدخل هذا الصرح لفرض وجودها كدولة تتمتع بسيادتها الكاملة وحرية اختيار توجهاتها السياسية والاقتصادية والأمنية.
أمام هذه التحركات المصيرية في مستقبل الدول والكيانات السياسية والتي تعاد فيها توزيع “أوراق” النفوذ والسيطرة وفق المصالح الاقتصادية والقوة العسكرية، يجب على كل دولة مدركة لهذه التحديات أعادة النظر في ملفاتها القديمة وتصنيف شراكاتها من أجل ضمان تموقع يحافظ على سلامتها واستقلالها ويعزز طموحها.
ولكن يبدو أن الجانب الفرنسي لا يريد تقبل هذا المنطق مخافة أن تفقد باريس نفوذها التاريخي وتأثيرها العميق على شؤون مستعمراتها القديمة ووصايتها عليها. و
قد رد الرئيس الجزائري على هذا الانكار، مذكرا أن الجزائر “لا تحتاج” إلى فرنسا وأن الجزائر “أكبر من أن تكون تحت حماية أو جناح” فرنسا. ومع هذا يبقي عبد المجيد تبون الباب مفتوحا لإعادة بناء علاقة “طبيعية” بين البلدين: “نحن متّفقون على أن نتعامل معًا من أجل عدم عرقلة مصالح كل طرف، ولكن لن نقبل أن يُفرض علينا أي شيء”. ومع أن الموقف الجزائري يبدو متشددا وصارما إلا انه يمثل في حد ذاته موقف عاقل للطرف الفرنسي من أجل فتح حوار جديد ومفاوضات جدية وعقلانية ذات طابع براغماتي بعيدة عن كل الحساسيات والمكبوتات، مفاوضات على أساس “رابح – رابح” بين طرفين متكافئين في السيادة ومسؤولان عن قرارهما. وهي الطريقة المثلى لبناء علاقة وطيدة وصريحة قد تنهي الازمات الدورية التي تتسم بها العلاقات الديبلوماسية بين البلدين.
فهل سيقبل الطرف الفرنسي هذا العرض؟
سمير عزوق