عين الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، في بداية عهدته الثانية هذه، على رأس الحكومة إليزابيث بورن ، وكلفها بتشكيل حكومة جديدة لأقل من شهر قبل الانتخابات التشريعية الحاسمة التي ستقام من 12 إلى 19 جوان المقبل.
بهذا الخيار يحقق قاطن الإليزيه نيته المعلنة منذ بداية عهدته الرئاسية الأولى بتعيين امرأة كوزيرة أولى لتكون ثاني أنثى تشغل هذا المنصب في تاريخ الجمهورية الفرنسية بعد إديت كريسون (1991-1992).
وفي تصريح له الأسبوع الماضي، كان إيمانويل ماكرون قد أعلن أن هذا الخيار تم اتخاذه ثلاثة أيام بعد فوزه في الرئاسيات، لأنه أراد أن يرافقه في سياساته”شخص حساس للقضايا الاجتماعية والبيئية والإنتاجية”.
و تعتبر رئيسة الحكومة الجديدة، حسب المقربين للرئيس الفرنسي، من الكفاءات التي برهنت عن نجاعتها كتقنوقراطية أوكلت إليها عدة حقائب وزارية، مع أنها لا تحظى بشعبية كبيرة وسط الرأي العام الفرنسي.
ولكن مع ضعف وزنها على الساحة الإعلامية، يبدو أن هذا الخيار يخضع إلى حسابات سياسية دقيقة،فماكرون الذي فاز في الدور الثاني من رئاسيات أفريل الماضي بفضل أصوات ناخبي الأحزاب اليسارية لقطع الطريق أمام غريمته من اليمين المتطرف، يريد المحافظة على هذا الميول بتعيينه رئيسة حكومة تحسب على القطب السياسي اليساري، كونها كانت مقربة من عدة شخصيات سياسية من هذا التيار ، على غرار ليونال جوسبان وجاك لونغ ومؤخرا سيغولان روايال المترشحة لرئاسيات 2007 للحزب الاشتراكي.
من جهة أخرى، تحاول وسائل الإعلام الفرنسية شن حملة لاستعطاف الرأي العام من خلال تقديم رئيسة الحكومة الجديدة كامرأة صنعت مجدها وكفاءتها رغم ظروفمعيشية صعبة كونها من “أشبال الأمة” ترعرعت وسط عائلة يهودية ذات أصول روسية فرت من النازية وعانت من ويلات الهولوكوست.
كما أشادت وسائل الإعلام على كفاءة إليزابيث بورن العلمية، حيث تخرجت من مدرسة متعددة التقنيات وقدرتها على تسيير الملفات الحساسة كتلك التي قادتها في مجال النقل. والمعروف عن هذه السيدة أنها تقود الحوارات مع المنظمات العمالية بقبضة من حديد وبطريقتها المباشرة والصارمة في التعامل مع زملائها.
يبدو من هذا الوصف أن إيمانويل ماكرون أراد أن يستلهم من التجارب العالمية الماضية التي شهدت ما يعرف بـ”سيدة من حديد” مثل رئيسة الوزراء البريطانيةمارغريت تاتشر (1979 إلى 1990) لبعث روح جديدة للسلطة التنفيذية الفرنسية التي عانت في السنوات الأخيرة من صعوبات كثيرة لم تستطع تقديم حلول مقنعة لجبهتها الداخلية على غرار الملفات المتعلقة بالتقاعد والسترات الصفراء وحتى الإشكاليات المتعلقة بملف الذاكرة والهوية الفرنسية.
ما ينتظر السيدة بورن من قضايا ثقيلة مثل رفع مستوى القدرة الشرائية للفرنسيين، إطلاق مشروع التخطيط البيئي والتحكم في خزينة الدولة يمثل تحديا قويا قد يحتاج إلى أكثر من كفاءات علمية وتقنية، فمثل هذه الملفات تستلزم حنكة سياسية قد يضطر الرئيس الفرنسي إلى التدخل باستمرار لملء الفراغ الذي ستتركه حتما رئيسة الحكومة الجديدة.
أما الرهان على “سيدة من حديد”، فهو يبدو كبيرا إذا ما ذكرنا حصيلة إيديت كريسون التي لم يتعدى ترأسها للحكومة الفرنسية الـ 14 شهرا بعد أن سجلت الرقم القياسي في الجمهورية الخامسة فيما يخص نسبة عدم ثقة الشعب الفرنسي، حسب مختلف عمليات صبر الآراء في 1991 أي أقل من 35 بالمئة من نسبة.
سمير عزوق