مرة أخرى تفرض المقارنة على نفسها، وفي كل مرة تؤلمني ظواهر التخلف التي يغرق فيها مجتمعنا الذي نخره الفكر السلفي حتى النخاع، والمقارنة دائما مع الثورة المبهرة التي يقوم بها ولي العهد السعودي محمد بن سلمان والتي لم تحرر المرأة السعودية التي كانت من سنوات قليلة محرومة حتى من الجلوس خلف مقود السيارة، بل تقود المجتمع السعودي برمته على طريق التنوير الصحيح لما طلب من المفكرين تنقيح التراث الديني من الفكر الزائف وألقى بدعاة التطرف والعنف الذين دمروا المجتمعات العربية والإسلامية ومنها الجزائر في السجون.
أمس انتشرت على مواقع التواصل الاجتماعي صورا لفنانة سعودية اسمها نور الخضراء وهي تقف أمام عدسات المصورين على البساط الأحمر بمهرجان “كان” السينمائي، بلباس أبعد ما يكون على المحتشم، لباس لو ارتدته فناة جزائرية لأهدروا دمها، وقبلها تداولت دائما مواقع التواصل الاجتماعي صورا لطاقم طائرة سعودي نسائي بالكامل قام بأول رحلة طيران داخلية، في خطوة هامة من مسيرة المرأة السعودية على طريق الانعتاق بعد أزيد من أربعة عشر قرنا من التكبيل والاستعباد باسم الدين، خطوة هامة باركها كل أحرار العالم لكن مباركتهم لم تخلو من الحسرة على ما أوصله الفكر السلفي الوهابي الذي نشرته المملكة في بلداننا وقضت بذلك على انطلاقة مجتمعاتنا نحو الحرية الفكرية بعد عقود من الاستعمار.
المقارنة الأخرى التي لا تقل وجعا عن سابقتها، فرضتها الصور المتداولة عن مدارسنا مع نهاية السنة الدراسية، وكيف دمر التلاميذ أثاث أقسامهم، ويبدو أن لا مدينة ولا مدرسة ولا قسم نجا من هذه الهمجية غير المسبوقة التي “يكافئ” بها التلاميذ مدارس من المفروض أنها ربتهم وزرعت فيهم الأخلاق والرقي، بينما تأتينا الأخبار من مملكة ابن سلمان التي تسابق الزمن والعمران لاستكمال مشروع” نيوم” في الصحراء على ضفاف البحر الأحمر بميزانية تفوق الـ500 مليار دولار، وهي مدينة ذكية، الأذكى في العالم ، بدون سيارات وتديرها آلات، وهي مدينة بينت على حد تعبير ولي العهد السعودي من الصفر وتكون وجهة للحالمين من كل العالم، ومن شأنها أن تغير وجه المملكة وتدر لها أرباحا ستفوق ما يدره عليها النفط والحج.
نعم هذه هي الصورة التي يتناقلها العالم عن المملكة التي نشرت الفكر السلفي في العالم ومولت الإرهاب الذي ألحق بالجزائر أذى غير مسبوع، بينما يساعر رجالها ونساؤها على تحرير مجتمعهم من سطوة رجل الدين، وتفتح الطريق واسعا أمام طاقات المملكة من رجال ونساء لبناء دولة راقية متحررة من كل العقد التي قيدت المجتمعات العربية والاسلامية، ونفضت قرونا من الغبار على الموروث الديني، فهل سنسير على أثرها.
صحيح أننا حاربنا الإرهاب وانتصرنا عليه في الجبال، لكن الأخطر من إرهاب المحشوشة، هو إرهاب العقول الذي سيطر على المنظومة التربوية ورهن مستقبل الأجيال لعقود أخرى.
حدة حزام